فيض العليم …. سورة يوسف، الآية: 8
 
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)
 
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} أَيْ وأخوه الشقيقُ “بنيامينُ” وإنَّما لَمْ يُذكَرْ باسْمِهِ تَلْويحًا بِأَنَّ مَدارَ المَحَبَّةِ أُخوّتُهُ لِيُوسُفَ مِنَ الطَرَفَيْنِ الأمِّ والأَبِ، وتَخْصيصُهُ بالإضافَةِ لاخْتِصاصِهِ بالأُخُوَّةِ مِنْ جانِبَي ِالأُمِّ والأَبِ، وهيَ أَقْوَى مِنَ الأُخُوَّةِ مِنْ أَحَدِهِما، ولم يَذْكُروهُ باسْمِهِ إِشْعارًا بِأَنَّ مَحَبَّةَ يَعْقوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ، لَهُ إنَّما كانت لأَجْلِ شَقِيقِهِ يوسفَ ـ عَلَيِهِ السَّلامَ، ولذا لم يَتَعَرَّضًوا لهُ بِشَيْءٍ مِنَ الأذى الذي أوقعوهُ بِيُوسُفَ. وقدْ أوضحنا في كتابنا (المرأةُ في الغزل الصوفي) عند حديثنا عن حبِّ يعقوب ليوسُفَ ـ عليهِ السلام، إنَّما كانَ للسِّرِّ الإلهيِّ فيهِ، الذي سيظهرُ مستقبلًا بالنبوَّةِ، وما سيكونُ من أمرِهِ لآنَّ يعقوبَ نبيٌّ ملهمٌ والأنبياءُ لا تُحَرِّكهم عواطفُهم، وإنَّما يُحرُّكُهم ما يحدِّثهم بهِ ربُّهم سبحانَه وحيًا، أَو يَقْذِفُهُ في قلوبهم إلهامًا. ولا يظهرُ في نَصِّ الآيةِ أنَّهُ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ، كانَ يفضِّلُ يوسُفَ على إخوتهِ في شيءٍ مِنَ المُعامَلَةِ، وإنَّما كانَ التمييزُ في المحبَّةِ فقط، وقد تجلى ذلك بشدَّةِ حرصِهِ عليه لما قد يكونُ ربُّهُ قد أعلمَهُ به أو قذفه في سرِّهِ منْ أَمْرِ يوسُف، لأنَّهم قالوا: “أَحبُّ إلى أَبينَا مِنَّا” المَحبَّةَ سرٌّ في القلبِ لا يطَّلِعُ عليه إلَّا الربُّ ـ سُبْحانَهُ وتعالى، وإنَّما يتجلَّى هذا الحبُّ بشدَّةِ حرصِهِ عليه، وهذا ظاهرٌ في قولِهم بعد ذلك في الآيةِ الحاديةَ عشرةَ: {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ}.
قولُهُ: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} العُصْبَةُ: ما زادَ عَلى العَشَرَة، فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهُما: العُصبةُ ما بَيْنَ عَشَرَةٍ إِلى أَرْبعينَ. وقِيلَ: الثلاثةُ نَفَرٍ، فإذا زادَ عَلى ذَلِكَ إلى تِسْعَةٍ فَهم رَهْطٌ، فإذا بَلَغُوا العَشَرَةَ فَصاعِدًا فعُصْبَةٌ. وقيلَ: العُصبةُ ما بَينَ الواحِدِ إلى العَشَرَةِ. وقِيلَ مِنْ عَشَرَةٍ إِلى خَمْسَةَ عَشَرَ. وقِيلَ: سَتَّةٌ. وقيلَ: سَبْعَةٌ. والمَادَّةُ تَدُلُّ عَلَى الإِحاطَةِ مِنَ العِصابَةِ لإِحاطَتِها بالرَّأْسِ.
قولُهُ: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} والضلالُ هُنَا، إنَّما هوَ ذَهابُ عِلْمِ حَقيقَةِ الأَمْرِ، يَدُلُّ عليه ما وَرَدَ في القرآنِ الكريم، وفي كلامِ العَرَبِ بهذا المعنى. فمِنْ ذلك قولُهُ تَعالى عَنْ إخوةِ يوسُفَ مُخاطِبينَ أباهم يعقوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {قالوا: تالله إنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ القَديمِ} الآية: 95، منْ هذه السورةِ المباركة. وقولُهُ تَعالى في نَبِيِّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَوَجَدَكَ ضالًّا فهَدى} الآية: 7، من سُورةُ الضُحى. أَيْ لَسْتَ مُتضَلِّعًا مِنْ هَذِهِ العُلُومِ التي لا تُعْرَفُ إلَّا بالوَحْيِ، فهَداكَ إِلَيْها وعَلَّمَكَها بِمَا أَوْحَى إِلَيْكَ مِنْ هَذا القُرآنِ العَظيمِ. ومِنْ ذَلِكَ قولُ الشاعِرِ:
وتَظُنُّ سَلْمَى أَنَّني أَبْغِي بِها ……………. بَدَلًا؛ أَراها في الضَّلالِ تَهيمُ
يعني: أنها غير عالمة بالحقيقة في ظنها أنه يبغي بها بدلا وهو لا يبغي بها بدلا. وسَمَّتِ العربُ الدفنَ (إضلالًا)، تقول: «ذَهَبُوا بِالْمَيِّتِ فَأَضَلُّوهُ» إذا دَفَنُوهُ في قبرِه، ومن هذا المعنى قولُ نابغةِ ذبيانَ:
فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ ……………… وَغُودِرَ بِالْجَوْلاَنِ حَزْمٌ وَنَائِلُ
وليس مرادُ أَوْلادِ يَعْقوبَ الضلالَ في الدِين، إذ لو أرادوا ذلك لكانوا كفَّارا، وإنَّما مُرادُهم أنَّ أَباهم ـ في زَعمهم، بعيدٌ مِنْ إِدْراكِ الحقيقَةِ، وإنزالِ الأَمْرِ مَنْزِلَتَهُ اللائقةَ بِهِ، حَيْثُ آثَرَ اثْنَيْنِ عَلَى عَشَرَةٍ، مَعَ أَنَّ العَشَرَةَ أَكْثَرُ نَفْعًا لَهُ ودَفْعًا عَنْهُ، وأقدر على القيامِ بِشُؤونِهِ وتَدْبيرِ أُمورِهِ. فقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السّديِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ يَعْقُوب ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، نَازِلًا بِالشَّام، وَكَانَ لَيْسَ لَهُ هَمٌّ إِلَّا يُوسُفُ وَأَخُوهُ بِنْيامِينُ فحَسَدَهُ إِخْوَتُه مِمَّا رَأَوْا مِنْ حُبِّ أَبِيهِ لَهُ.
وَرَأَى يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي النَّوْمِ رُؤْيا أَنَّ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ساجدينَ لَهُ، فَحَدَّثَ أَبَاهُ بهَا، فَقَالَ لَهُ يَعْقُوبٌ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلى إِخْوَتِكَ فيَكِيدوا لَكَ كَيْدًا} فَبَلَغَ إِخْوَةُ يُوسُفَ الرُّؤْيَا فحَسَدوهُ، فَقَالُوا: “لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ” بِنْيامينُ “أحب إِلَى أَبينَا منا وَنحن عصبَة” ـ كَانُوا عَشَرَةً، “إِنَّ أَبَانَا لَفي ضلالٍ مُبينٍ” قَالُوا: فِي ضَلالٍ مِنْ أَمْرِنَا.
قولُهُ تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} إِذ: ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمانِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذوفٍ تَقْديرُهُ: “اذِكُرْ” في محلِّ النَّصبِ على أنَّهُ مفعولٌ بِهِ، و “قَالُوا” فعل ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتَّصالِهِ بواوِ، الجماعةِ، وهي ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، والأَلفُ هي الفارقةُ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بإضَافَةِ “إِذْ” إِلَيْهَا. و “لَيُوسُفُ” اللامُ مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، أَوْ حَرْفُ ابْتِداءٍ للتوكيدِ، على حسب الخلافِ فيِهِ. و “يوسفُ” مبتدأٌ مرفوعٌ، وقدِ امْتَنَعَ مِنَ التَّنْوينِ بالعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ. و “أَخُوهُ” مَعْطوفٌ عَلَيْهِ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ مِنَ الأسماءِ الخمسةِ، وهو مُضافٌ. والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليها. و “أَحَبُّ” خبَرُ المُبْتَدَأِ مرفوعٌ. ولم تَحْصَلِ المُطابَقَةُ بَيْنَ المُبْتَدَأِ، والخَبَرِ؛ لأنَّ الخَبَرَ هَذا اسْمُ تَفْضيلٍ مُجَرَّدٌ، وهو يَلْزَمُ التَذْكيرَ والتَّوحيدَ. قالَ ابْنُ مَالِكٍ في ألفيَّتِهِ:
وَإِنْ لِمَنكُوْرٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا ……………….. أُلْزِمَ تَذْكِيْرًا وَأَنْ يُوَحَّدَا
و “أحَبُّ” صيغةٌ للتَّفْضيلِ مَصوغٌ مِنْ “حَبَّ” المَبْنِيِّ للمَفْعُولِ، وهوَ سَمَاعِيٌّ شاذٌّ، ولو جاءَ عَلى القِيَاسِ لِيُوصَلَ إِلَيْهِ بِ “أَشَدَّ” ونحوِهِ. قالَ ابْنُ مالِكٍ:
وَأَشْدِدَ أوْ أَشَدَّ أَوْ شِبْهَهُمَا ………….. يَخْلُفُ مَا بَعْضَ الشُّرُوْطِ عَدِمَا
وإذا بَنَيْتَ “أَفْعَلَ” التَّفضيلِ مِنْ مادَّةِ الحُبِّ والبُغْضِ، تَعَدَّى إِلَى الفاعِلِ المَعْنَوِيِّ بِ “إلى”، وإلى المفعولِ المعنويِّ باللامِ أَوْ بِ “في”، فإذا قلتَ: (زيدٌ أَحَبُّ إليَّ مِنْ بكر) يَعْني أَنَّك تُحِبُّ زَيْدًا أَكْثَرَ مِنْ بَكْرٍ فالمُتَكَلِّمُ هوَ الفَاعِلُ، وكَذَلِكَ: (هوَ “أَبْغَضُ” إليَّ مِنْهُ) فأنتَ المُبْغِضُ، وإذا قُلْتَ: زَيدٌ أَحَبُّ لِي مِنْ عَمْروٍ، أَوْ أَحَبُّ فيَّ مِنْهُ، أَيْ: إنَّ زَيْدًا يُحِبُّني أَكْثَرَ مِنْ عَمْرٍو. وقالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
لَعَمْري لَسَعْدٌ حيث حُلَّت ديارُه ……… أحبُّ إلينا منكَ فافرسٍ حَمِرْ
وعلى هذا جاءَتِ الآيةُ الكريمةُ، فإنَّ الأَبَ هُوَ فاعِلُ المَحَبَّةِ. و “إلَى” حرفٌ جرٍّ متعلِّقٌ بِالخبَرِ “أحبُّ” و “أَبِينَا” مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، وعلامَةُ جرِّهِ الياءُ لأنَّهُ من الأسماءِ الخمسةِ، و “نا” ضميرُ جماعةِ المتكلِّمين، متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الجرِّ بالإضافَةِ إِليْه. و “مِنَّا” جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالخَبَرِ مِثْلُهُ، وهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ جَوابُ القَسَمِ، وجُمْلَةُ القَسَمِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقوْلِ لِ “قَالُواْ”.
قولُهُ: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} الواوُ: هي واوُ الحالِ، و “نَحْنُ” مُبْتَدَأٌ مرفوعٌ، و “عُصْبَةٌ” خَبَرٌ مرفوعٌ أيضًا، وهذِهِ الجُمْلَةُ الإسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الحالِ مِنْ ضَميرِ المُتَكَلِّمينَ، في “مِنَّا”. و “إِنَّ” حرفٌ ناصبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتوكيدِ، و “أَبَا” اسْمُ “إِنَّ” منصوبٌ وعلامةُ نصبِهِ الألفُ لأنَّهُ من الأسماءِ الخمسةِ، وهوَ مُضافٌ، وضميرُ الجماعة “نا” متَّصلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ. و “لَفِي” اللامُ: حَرْفُ ابْتِداءٍ للتوكيدِ. و “فِي” حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بخبَرِ “إنَّ” المحذوفِ، و “ضَلَالٍ” مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و “مُبِينٍ” صِفَةُ “ضَلَالٍ” مجرورةٌ، وجُمْلَةُ “إنَّ” مُسْتَأْنَفَةٌ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولَ “قَالُوا”.
قرَأَ العامَّةُ: {ونحنُ عُصْبةٌ} بالرفعِ خَبَرًا لِ “نحن”. وقرَأَ أَميرُ المُؤْمِنينَ عليٌّ ـ رضي اللهُ عنهُ: “ونحنُ عُصْبَةً” بِنَصْبِها على أَنْ الخَبَرَ مَحذوفٌ، والتقديرُ: نَحنُ نُرى أوْ نَجْتَمِعُ فَيَكونُ “عصبةً” حالًا، إِلَّا أَنَّهُ قليلٌ جِدًّا، وذلكَ لأَنَّ الحالَ لا تَسُدُّ مَسَدَّ الخَبَرِ إلَّا بِشُروطٍ ذَكَرَها النُّحاةُ، نَحْوَ قولِكَ: (ضَرْبي زيدًا قائمًا). و (أكثرُ شُرْبيَ السَّوِيْقَ مَلْتوتًا). قالَ ابْنُ الأَنْبارِيِّ: هذا كَمَا تَقولُ العَرَبُ: (إنَّما العامِرِيُّ عِمَّتَه)، أيْ: يَتَعَمَّمُ عِمَّتَهُ. قالَ الشيخُ أبو حيَّانَ: وليسَ مِثْلَهُ لأَنَّ “عصبة” ليسَ بِمَصْدَرٍ ولا هَيْئَةٍ، فالأَجْودُ أَنْ يَكونَ مِنْ بابِ (حُكْمُكَ مُسَمَّطًا). قالَ السمينُ: لَيْسَ مُرادُ ابْنِ الأَنْبَارِيِّ إِلَّا التَّشْبيهَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ حَذَفَ الخَبَرَ وَسَدَّ شَيْءٌ آخَرُ مَسَدَّهُ في غيرِ المَواضِعِ المُنْقاسِ فيها ذَلِكَ، ولا نَظَرَ لِكَوْنِ المَنْصوبِ مَصْدَرًا أَوْ غَيْرَهُ. وقالَ المُبَرِّدُ: هوَ مِنْ بابِ (حُكْمُكَ مُسَمَّطًا) أيْ: لكَ حُكْمُكَ مُسَمَّطاً، قالَ الفَرَزْدَقُ:
يا لَهْذَمُ حُكمك مُسَمَّطًا
أراد: لك حكمُك مُسَمَّطاً، والمُسَمَّط: المُرْسَلُ غيرُ المَرْدودِ. أَيْ لَكَ حُكْمُكُ نَافِذًا لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْكَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَثْمَةَ:
لَكَ الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصَّفَايَا …………… وَحُكْمُكَ والنشيطة والفضول
واسْتُعْمل هذا فَكَثُرَ حتى حُذِف استخفافًا لِعِلْمِ ما يُريدُ القائلُ كَقَوْلِكَ: الهلالُ واللهِ، أَيْ: هذا الهلال. وقدَّره غيرُ المُبَرِّدِ: حُكْمُك ثَبَتَ مُسَمَّطًا. وفي هذا المِثالِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ النَّحْوِيّين يَجعلونَ مِنْ شَرْطِ سَدِّ الحالِ مَسَدَّ الخبرِ أنْ لا يَصْلُحَ جَعْلُ الحال خبرًا لذلك المبتدأ نحو: (ضربي زيدًا قائمًا) بخلاف: (ضربي زيدًا شديدٌ)، فإنَّها تُرْفع على الخبرية، وتَخْرج المسألة من ذلك، وهذه الحال أعني مُسَمَّطًا يَصْلُحُ جَعْلُها خبرًا للمُبْتَدأِ، إذِ التقدير: حُكْمُكَ مُرْسَلٌ لا مَرْدُود، فيكون هذا المَثَلُ على ما قَرَّرْتُه مِنْ كلامهم شاذًا.

Leave a comment

Follow الشاعر عبد القادر الأسود on WordPress.com